ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستذكر ما دعا إليه رسول الله(ص)، عندما قال في خطبته في استقبال شهر رمضان: “واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه”.
هو يريد منا أن نستحضر بجوعنا وعطشنا اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتقدم حسابها لربها عما قامت به في الدنيا وما جنته منها، أما لماذا يجوع الناس ويعطشون في ذلك اليوم، فلطول موقف الحساب الذي يأتي من تقصير منهم في أداء الواجبات وكثرة التبعات والظلامات، ما يستدعي منها حين تجوع وتعطش أن تراجع حساباتها وتبادر إلى التوبة من تقصيرها وسد النقص. ومتى حصل ذلك فلن نجوع ولا نعطش، وبذلك نكون أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “والبداية من غزة التي يواصل فيها العدو الصهيوني مجازره بحق المدنيين، وهم في بيوتهم، أو أولئك اللاهثين وراء المساعدات ليسدوا بها جوعهم ويرووا عطشهم، أو الذين اضطروا إلى أن يلجأوا إلى المستشفيات لعلهم يجدون فيها بعض أمانهم فلاحقهم العدو إليها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل هو يعمل اليوم بسياسة جديدة تهدف إلى استهداف رموز الإدارة المدنية للقطاع، لبث الفوضى داخله ومنع أي جهد يبذل لتحسين ظروفهم المعيشية والحياتية وسد احتياجاتهم، ما يؤدي بهم إلى اليأس من البقاء في أرضهم ودفعهم إلى الخروج منها، بعدما تنعدم كل مقومات الحياة فيها. ومع الأسف، لا يزال العالم، إلا ما ندر وحتى الآن، يدير ظهره لما يجري، وإذا كان من مبادرات تجري، فهي تأتي من باب التمنيات من دون أن يمارس هؤلاء أي ضغوط لإيقاف مجازر هذا الكيان وفتح المعابر، بل ما زلنا نشهد مزيداً من الدعم له على المستويات كافة”.
أضاف: “لقد قلناها لهذا العالم، إن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى كلمات عزاء أو لإدانات شكلية، بل إلى يقظة ضمير وأخذ مواقف جادة تردع هذا الكيان وتوقف معاناة هذا الشعب وإلى إيقاف تام لنزيف الدم والدمار والحصار المفروض. ونأمل أن يكون العالم أصبح أكثر وعياً لخطورة الاستمرار بهذه الحرب المجنونة، والتي ستكون وصمة على جبينه ولن تمحى، ولتداعياتها على استقراره وأمنه وأن تتسارع الخطوات التي يتم الحديث بها لتصل إلى النتائج المرجوة وإيقاف إطلاق النار.
في هذا الوقت، نجدد دعوتنا للسلطة الفلسطينية ولكل الفصائل وحركات المقاومة إلى الوحدة وعدم رفع أي صوت أو تحرك يخل بها، وإذا كان من خلافات، فهي لا تحل عبر الوسائل الإعلامية والبيانات التي تسيء إلى صورة الشعب الفلسطيني وقضيته وتؤدي إلى تقديم خدمات مجانية للعدو تساعده في تحقيق أهدافه”.
وتابع: “ونعود إلى لبنان، الذي تستمر فيه المقاومة بأداء الدور الذي رسمته لنفسها، وتقدم التضحيات من أجله بإسناد الشعب الفلسطيني في غزة ومنع العدو الصهيوني من استفراده وتركه يعاني وحيداً، آخذة في الاعتبار أن يبقى ذلك في حدود استهداف المواقع العسكرية للعدو وعدم توسعة مداه، وذلك حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا ومراعاة لظروف هذه البلد ومعاناة إنسانه، في وقت يواصل العدو اعتداءاته والتدمير الممنهج للبيوت وللمباني السكنية لا سيما في القرى الحدودية، وتستمر تهديداته للبنان بإعلانه عن خطط جاهزة لغزوه وما أعلنه أخيراً عن تشكيل لواء جديد لإدارة الحرب في سوريا ولبنان، وهو يهدف من وراء ذلك إلى إثارة الخوف لدى اللبنانيين وتعزيز الانقسام بينهم، في وقت يعرف اللبنانيون أن ما يجري هو من باب التهويل وأن ظروف الحرب الشاملة التي يهدد بها العدو ليست متوافرة وهو غير قادر على خوضها، ولا يملك التغطية الدولية التي امتلكها في حربه على غزة، وهو يتوسل ذلك من خلال الموفدين الدوليين.
وقال: “ومن المؤسف أن هناك في هذا البلد من لا يرى العدو الصهيوني خطراً على لبنان، ولا التهديدات التي يكيلها العدو له يراها مساً في سيادته ويأخذها في الاعتبار. إننا أمام كل ذلك ننبه اللبنانيين إلى عدم الوقوع في الفخ الذي يريد العدو أن يوقعهم فيه بنقل المعركة إلى داخلهم وفي ما بينهم، وإلى وعي مستمر لمخاطر هذا الكيان الذي يبقى خطراً لا على فريق من اللبنانيين بل على لبنان وكل اللبنانيين”.
اضاف: “في هذا الوقت، نعيد دعوة القوى السياسية إلى عدم الاستسلام للفراغ والأزمات التي يعاني منها هذا البلد وعدم ترك ذلك رهينة لما يجري في غزة، فقد آن الأوان لمعالجة كل ذلك وإنجاز الاستحقاق الرئاسي ثم الحكومي وبناء الدولة، وهو لا يمكن أن يتم بالغلبة بل بالتوافق في بلد بُني على التوافق ويستمر عليه. لقد بات واضحاً أن حل الأزمة يعود إلى اللبنانيين أولاً وأخيراً، وإذا كان من مبادرات تجري لتحريك هذا الملف فهي لن تكون بديلاً منهم بل مساعداً لهم، ما يتطلب التفاعل مع أي مبادرة ليكون هذا البلد حاضراً عند إنضاج الحلول أو التسويات في المنطقة، والتي لن تقف آثارها عند الشأن الفلسطيني، وقد نرى تداعياتها على صعيد العالم”.
Back to top button